قرية ذي عين







بين تضاريس منطقة الباحة الجبلية، وفي قلب محافظة المَخواة، تتربع قرية ذي عين التراثية كتحفةٍ معمارية فريدة، شاهدةً على تاريخٍ يمتد لأكثر من 400 عام. بُنيت هذه القرية فوق جبلٍ صخري أبيض ذي تضاريسَ وعرة، وتبدو للناظر كأنها قلعة واحدة، فبيوتها مُتراصَّة، متعددة الطوابق، وشُرفاتها مزيَّنة بأحجار المَرو، فيما تتوِّجُها أسقفٌ مصنوعة من شجر العرعر المجلوب من الغابات المجاورة. ولم تكن "ذي عين" مجرد تجمعٍ عمراني، بل كانت نموذجًا للحياة المستدامة، حيث تتغذى مدرجاتها الزراعية من عين ماءٍ تنبجس من الواجهة الشرقية للقرية، والتي يسميها أهالي القرية بالقُلَّة، وتسير مياهها في جدولٍ منحوت في الصخور باتجاه الوجهات الزراعية عبر ما يسمَّى بالحامل، لتسقي جميع الوجهات بقانون الماء المتعارف عليه عند الأهالي بالأطواف، هذه العين التي تمنح القريةَ اسمَها، كانت وما تزال مصدرًا للحياة في القرية، حيث تتدفق لترويَ أشجار الموز والليمون والكادي التي تشتهر بها القرية. ووسط بيوت القرية التاريخية، يقع المسجد محاطًا بالمزارع والممرات التي صُممت بعناية لتسهيل الحركة بين المنازل، كما تضم القرية حصونًا دفاعية تحكي قصص صمودها عبر الزمن، وإضافة إلى سحرها الطبيعي، أُنشئ فيها شلالان يضفيان على المكان مشهدًا خلابًا يمزج بين تدفق الماء وروعة البناء القديم. وقد حرص أهالي القرية على الحفاظ على وحدتهم الاجتماعية، فأنشؤوا مَسطبةً حجرية تمرُّ المياه الجارية بجوارها، كانت ملتقًى للأهالي يعقدون فيه الاجتماعات لحل مشكلات المزارع، ويتخذون فيه القرارات المتعلقة بحياتهم اليومية، وقد تحولت اليوم إلى نقطة جذبٍ للزوار، يستمتعون فيها بمشهد الماء المتدفق الذي يضفي على المكان هيبةً وجمالًا يأسران القلوب. وللحفاظ على هذا الإرث التاريخي، عملت هيئة التراث على تأهيل القرية وتحويلها إلى وجهةٍ سياحية وثقافية متكاملة، تجذب المهتمين بالتاريخ والتراث الإنساني، كما تسعى لترشيحها للانضمام إلى قائمة التراث العالمي في اليونسكو. واليوم، تعد قرية ذي عين من أبرز الوجهات السياحية في جنوب المملكة، حيث تجسِّد التنوع الطبيعي والمعماري لمنطقة الباحة، وتُسهم في التنمية المستدامة عبر دعم الزراعة والصناعات اليدوية، مما يجعلها شاهدًا حيًّا على استدامة وتجديد الإرث الحضاري العريق.

