منطقة حمى الثقافية






تمتد منطقة حِمَى الثقافية كواحدة من أعرق الشواهد على حضاراتٍ متعاقبة تركت بصماتها على صخورها، ويقع هذا الموقع الأثري الفريد، الذي تم إدراجه في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2021م، في محافظة ثار بمنطقة نجران، وهو أرشيف حي للنقوش والرسومات التي تحكي الكثير من قصص الإنسان الباقية رغم مرور آلاف السنين عليها. على مساحة 557 كلم2، تحتضن حمى 550 لوحةً صخرية، تضم مئاتِ الآلاف من النقوش والرسوم التي تشهد على حياة الشعوب التي مرت بها، وبين جبال حمى ووديانها، تتوزع آثار الصيادين والتجار والمسافرين الذين مشوا فيها، تاركين خلفهم دلائل على نمط حياتهم وأساليب عيشهم، وحتى على تطور لغاتهم، إذ تضم حمى نقوشًا بالقلم الثمودي، والنبطي، والمسند الجنوبي، واللغتين السريانية واليونانية، ونقوشًا عربية مبكرة من فترة ما قبل الإسلام، تعد بدايات الخط العربي الحديث. وتتوزع في منطقة حمى مواقعُ أثرية عديدة، مثل جبل صيدح، وجبل حمى، وعان جمل، وشسعا، والكوكب، وكلُّها تكشف ملامح الحضارات التي استوطنتها، كما تضم العديد من الآبار الأثرية، ومنها: أم نخلة، والقراين، والجناح، وسقيا، والحبيسة، وقد حُفر أغلبها في الصخور، وهي تُعدُّ من معالم الحضارة والتاريخ العتيق للمنطقة، وتحيط بها الكهوف والجبال من جميع الجهات عدا الجهة الشرقية، وهي مليئة بالرسوم والنقوش الصخرية المشتملة على الرسوم الآدمية والحيوانية، ولم تكن آبار حمى مجرد مصادر للمياه، بل كانت محطاتٍ لا غنى عنها للقوافل التي سلكت طرق التجارة القديمة، وما تزال مياه بئر حمى العذبة تتدفق منذ ثلاثة آلاف عام. وقد شهدت المنطقة المحيطة بحمى استيطانًا بشريًّا متواصلًا منذ آلاف السنين، واشتهرت بأنها من المحطات المهمة على طرق القوافل القادمة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى شمالها والعكس، مما جعلها واحدةً من أهم مواقع الرسوم الصخرية في المملكة، ففي أكثر من 13 موقعًا أثريًّا، يمكن مشاهدة مناظر الصيد والرعي، والرسوم الآدمية بأحجامٍ تفوق الحجم الطبيعي، إضافةً إلى كتاباتٍ بخطوط متنوعة تعكس ثقافة المجتمعات التي عاشت في المنطقة. وقد أسهم التعاقب الحضاري المتواصل على المنطقة في اكتشاف الكثير من الآثار والنقوش في 100 موقع، وأظهرت فرق التنقيب السعودية والدولية دلائلَ على حضاراتٍ تعود إلى العصر الحجري، مما يجعل الموقع بمثابة كتاب مفتوح لفهم جوانب من تاريخ الجزيرة العربية القديم. وما يزال في حمى الكثير مما لم يُكشف بعد، فهي تزخر بالأرجام والمنشآت الحجرية والمدافن والآبار القديمة والأدوات الحجرية المتناثرة، والتي تحتاج إلى المزيد من البحث والتنقيب، فهذا المكان أشبه بمتحفٍ طبيعي مفتوح، تروي صخوره حكاياتِ من مروا به من المسافرين والجيوش، تاركين أسماءهم ورسائلهم ليقرأها من يأتي بعدهم إلى حمى، حيث يلتقي الحاضر بالماضي في مشهدٍ مذهل، يعكس غنى الإرث الإنساني في الجزيرة العربية.

